الخطيئة في المسيحية و الاسلام

يخطئ من يظن أن الإسلام يطعن في المسيحية أو يحارب عقائدها بل على العكس من ذلك، فالإسلام يحمل ل مودة للمسيحية إذ يقول القرآن "لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون"(سورة المائدة 82).

ولهذا فقد كتبت هذه الأبحاث من منطلق الأرضية المشتركة بين المسيحية والإسلام المبنية على ما جاء في الإنجيل والقرآن.

والواقع إن موضوع صلب المسيح هو جوهر المسيحية ، وهو مركز الدائرة فيها ، فحوله تتركز كل المعتقدات الإيمانية المسيحية…لهذا لزم أن نبحثه بحثاً تفصيلياً. وسيشمل هذا البحث:

صلب المسيح وسوف نتكلم فيه عن: الخطية، حكم العقوبة، هبة الغفران.

حتمية الفداء.

والاعتراضات على الصلب والرد عليها.

من الرب أسأل أن يبارك هذا العمل ليكون سراجاً يهدى خطوات النفوس الضالة إلى طريق الحياة لتنال بنعمته خلاصا، حتى تتمتع معه في المجد الأبدي آمين .

الخطيـة

من وجهة النظر المسيحية

"بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع" (رومية 5 : 12)

الخطية هي الجرثومة التي أفسدت البشرية بأجمعها، وهي العامل الأساسي في موضوع صلب المسيح. ولكن كيف دخلت الخطية إلى العالم؟ وكيف اجتازت إلى جميع الناس؟

ولإيضاح ذلك يلزمنا أن نتكلم عن: خطية آدم، وخطايا ذريته، أي خطايا البشرية كلها. وسوف نوضح ذلك أولا من وجهة النظر المسيحية ثم نتناولها من وجهة نظر الإسلام.

أولا: خطية آدم

يقول بولس الرسول "بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم" (رومية 5: 12)

من هو هذا الإنسان الذي به دخلت الخطية إلى العالم؟ إنه الإنسان الأول أبونا آدم الذي بواسطته دخلت الخطية إلى العالم.

ولتوضيح كيف دخلت الخطية إلى العالم عن طريق آدم يحسن الرجوع إلى الكتاب المقدس وقراءة الإصحاحات الأولى من سفر التكوين فسترى كيف خلق الله آدم وحواء في حالة البر والقداسة، أي على صورته الإلهية البارة المقدسة، ثم وضعهما في جنة عدن وأوصاهما أن يأكلا من شجر الجنة ما عدا شجرة معرفة الخير والشر إذ قال لآدم "يوم تأكل منها موتاً تموت" (تكوين 2 : 17).

وبالرغم من هذا نجد أن الشيطان يغرى حواء فتأكل وتعطى زوجها أيضاً "فأخذت من ثمرها وأكلت ، وأعطت رجلها أيضاً فأكل" (تكوين3: 6)

وهكذا أخطأ آدم إذ عصى وصية الله وأكل من الشجرة وهكذا دخلت الخطية إلى العالم.

ثانياً: خطايا ذرية آدم

يقول بولس الرسول "وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع" (رومية5:12). في الواقع أنه بخطية آدم ، أصبحت الخطية ميلاً طبيعياً في البشرية كلها، وانتشرت جرثومتها في دمائهم فانزلقوا في الشر والإثم لهذا يقول الكتاب "ليس بار ولا واحد، الجميع زاغوا وفسدوا معاً" (رومية3: 10) هذا هو الوضع المذري الذي وصلت إليه البشرية، فالناس ينطلقون وراء شهواتهم الجسدية، ووراء محبة العالم، وحب الاقتناء، وحب الذات، والبعد عن الله. والمصيبة الكبرى أنهم لا يرون في ذلك خطأ، بل يعتبرونه أمورا طبيعية. وينظرون إلى من يعيشون مع الله على أنهم متخلفون يعيشون في عصور الجاهلية.

وحتى الأشخاص المتمسكين بالدين يعيشون صراعا رهيبا داخليا إذ يجدون ميلا داخليا يشدهم إلى الخطية. فمن أين جاء ذلك الميل الشرير؟ إنه بالتأكيد فيروس الخطية الذي ورثه الإنسان من أبويه آدم وحواء الملوثين بميكروب الخطية.

ثالثاً: خطايا الأنبياء

هل تظن يا عزيزي القارئ أن الأنبياء قد نجوا من جرثومة الخطية هذه؟ كلا، فالدماء البشرية كلها ملوثة أو كما قال الكتاب المقدس "إنه ليس بار ولا واحد" (رومية3: 10)

والأنبياء أيضاً إذ أنهم من ذرية آدم فقد ورثوا فيروس الخطية وسقطوا هم أيضاً فيها. ويذكر الكتاب المقدس لكل نبي خطاياه. ودعنا نورد بعضا منها على سبيل المثال لا الحصر:

  1. إبراهيم الخليل: لقد كذب أبونا إبراهيم عندما قال عن امرأته أنها أخته حتى لا يعرض نفسه للموت. (تكوين في إصحاحات: 12 و20)
  2. موسى النبي: أما موسى النبي فقد قتل المصري الذي كان يتشاجر مع الإسرائيلي وعندما عرف أن فعلته قد كشفت فر هاربا إلى برية سيناء. (خروج اصحاح2)
  3. نوح صاحب الفلك: ولقد سكر نوح بالخمر وتعرى. (تكوين 9) ويعوزنا الوقت لو ذكرنا لكل واحد خطاياه العديدة.

من هذا يتضح لك أيها القارئ العزيز وجهة نظر المسيحية في جرثومة الخطية فقد أصابت أولا آدم وحواء ثم ورثها الجنس البشري كله.

الفصل الثاني:

الخطية في الإسلام

كما ذُكرت خطية آدم في الكتاب المقدس ، ذُكرت أيضاً في القرآن. وكما وضح الكتاب المقدس أن البشرية كلها تلوثت بجرثومة الخطية، هكذا وضح القرآن نفس الشيء كما سنرى .

أولا: خطية آدم

لقد خلق آدم في أحسن صورة وهذا ما شهد له القرآن في:

  1. سورة التين: آية4: "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" هذه الآية توضح أن الله خلق آدم في أروع صورة من البر والطهارة (في أحسن تقويم). أما عن سقوط آدم في الخطية فقد جاء في:
  2. سورة البقرة (آية 35 ـ 38) "وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا (أي في سعة من العيش) حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين (أي من المخطئين) فأزلهما الشيطان عنها (أي أبعدهما عن الجنة) فأخرجهما مما كانا فيه . وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلي حين). يتضح من ذلك دور الشيطان في إغواء آدم وحواء ليأكلا من الشجرة التي نهاهما الله عن أن يأكلا منها وبهذا سقطا في الخطية.
  3. سورة طه (آية 117 ـ 123): "فقولنا يا آدم إن هذا (أي إبليس) عدوا لك ولزوجتك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى…فوسوس إليه الشيطان قال: يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى (أي لا ينتهي)، فأكلا منها فبدت لهما سوأتهما (أي عورتاهما) وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصي آدم ربه فغوى" من هذا نرى كيف سقط آدم في الخطية عندما عصى ربه.

ثانياً:خطايا ذرية آدم

ويوضح القرآن أيضاً وعلماء الإسلام خطايا البشرية كلها كما يلي :

  1. سورة يوسف 53: "إن النفس لأمارة بالسوء". أي أن نفس الإنسان بطبيعتها الساقطة تميل للشر، وهذا ما وضحه الإمام الرازي كما سنرى في النقطة التالية.
  2. الإمام الرازى: وهو من مشاهير مفسري القرآن فيقول ( أي أن النفس ميالة إلى القبائح، راغبة في المعصية، والطبيعة البشرية تواقة إلى اللذات)
  3. الترمزي: وهو أبو عيسى محمد بن عيسى من أهم جامعي الأحاديث النبوية. روى عن أبى هريرة قال النبي "جحد آدم فجحدت ذريته، ونسى آدم فأكل من الشجرة فنسيت ذريته، وخطئ آدم فخطئت ذريته".

من هذا يتضح أن النفس البشرية قد ورثت الخطية عن آدم وهكذا خضعت لسلطان الخطية التي تسلطت على البشر جمعا.

ثالثاً:خطايا الأنبياء

والقرآن يذكر خطايا الأنبياء بكل وضوح أيضا كما سيتضح من التالي:

  1. إبراهيم: (سورة إبراهيم 41) يقول إبراهيم: "ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب" فإبراهيم هنا يطلب المغفرة ، وكيف يطلب الإنسان مغفرة إن لم يكن قد أخطأ فعلاً؟
  2. موسى: (سورة القصص15و16) "ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان . هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه (أي ضربه) موسى فقضى عليه (أي قتله) . قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين. قال ربى إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم ) فموسى بعد أن قتل الرجل إستغفر عن خطيئته .
  3. كما يذكر القرآن عن النبي محمد ما يلي: (سورة الفتح 2): "ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر" ويفسر الإمام النسفى ذلك فيقول (أي يغفر لك جميع ما فرط منك)

وفي (سورة الانشراح 1ـ3)

"ألم نشرح لك صدرك ، ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك". معنى وضعنا عنك (أي رفعنا عنك) ومعنى الوزر (أي الذنب). ومعنى الذي أنقض ظهرك (أي أثقل ظهرك).

وفي (صحيح البخاري جزء2 صفحة134):

( وهو مجموعة الأحاديث النبوية الصحيحة ) قيل: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول : اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب النار)

وفي صحيح البخاري أيضاً:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما منكم من أحد يدخل الجنة إلا برحمة الله تعالى ، قيل ولا أنت يا رسول الله ؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته)

وعن الأغر بن ياسر المازنى:

قال رضى الله عنه: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه ، فأني أتوب إليه في اليوم مائة مرة). رواه مسلم (كتاب رياض الصالحين من كتاب سيد المرسلين للإمام النووي ص 9)

مما سبق يتضح لنا أن القرآن يذكر خطايا الأنبياء، ولا يفوتنا هنا أن نورد رأى الإسلام والفرق الإسلامية بالنسبة لخطايا الأنبياء أيضا.

فالإسلام يقسم الخطايا إلى : كبائر (وهى الخطايا الكبيرة كالزنا والقتل والسرقة..)

وإلى صغائر (وهى الخطايا الصغيرة كالضرب مثلا …) ويقول الإسلام أن الأنبياء معصومون من بعض الخطايا الكبائر (كالزنا والقتل والسرقة) أما بقية الكبائر فقد قال أهل السنة : (وهى فرقة كبيرة من فرق الإسلام، أنه يجوز صدورها عن الأنبياء قبل بعثتهم (أي قبل نبوتهم) أما الصغائر (أي الخطايا الصغيرة) فانه يجوز صدور بعضها عن الأنبياء قبل بعثهم عمداً وكذلك يمكن صدورها عنهم بعد البعثة سهوا.

وهكذا رأينا أن الخطية قد سرت إلى الجنس البشرى كله حتى الأنبياء أنفسهم فقد سقطوا تحت سلطانها سواء عمداً أم سهواً ولقد صدق الكتاب المقدس عندما وضح ذلك قائلاً: "طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء" (أمثال7: 26) ولهذا قال أيضا "الجميع زاغوا وفسدوا معا ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد" (رومية3: 12).